لماذا احتاجت عملية تحرير الأقصى كل هذه الجهود الضخمة والأجيال المتعاقبة؟
لم تكن الحاجة إلى كل هذه الجهود إلا بسبب تردي أحوال المسلمين قبيل الغزو الصليبي على كل الأصعدة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب الجهل بأحكام الدين، وعدم القيام بأحكامه وأوامره، لأن العلم بالدين والقيام به يحقق للمسلمين رضا الله والسعادة في الدنيا. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النمل: 97] .
وهذه نبذة سريعة مختصرة عن أحوال المسلمين في ذلك العصر:
1- من الناحية الدينية: لقد ساد الجهل والبعد عن أحكام الدين وانتشار البدع والخرافات والفرق الضالة والباطنية التي كوّنت إمارات ودول مستقلة [5] .
2- ومن الناحية السياسية: كان هناك خلافتان: عباسية سنية في بغداد، وفاطمية شيعية في مصر، وكانت بينهما حروب استعان الفاطميون فيها بالصليبيين على العباسيين! وأعاقوا تحرير القدس وحرب الصليبيين، وقاموا باغتيال كثير من الأمراء والعلماء الذين كانوا ضد الصليبيين [6] .
3- أما الحالة الاقتصادية: فقد عمّ الغلاء واحتكار الأقوات وترف الأغنياء وشيوع الفقر وكثرة الضرائب حتى (بيعت البيضة بدينار) [7] .
4- يقول المؤرخ أبو شامة عن أحوال الناس في ذلك الزمان: « كانوا كالجاهلية، همة أحدهم بطنه وفرجه، ولا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا » [8] . ويقول الرحالة ابن جبير عن أهل المشرق: « وما سوى ذلك مما بهذه الجهات الشرقية فأهواء وبدع، وفرق ضالة وشيع؛ إلا من عصمه الله عز وجل من أهلها » [9] .
وبعد هذا الاستعراض السريع لحال المسلمين في القرن الخامس الهجري؛ هل سيكون بإمكان المسلمين منع الصليبيين من احتلال بيت المقدس عام 492هـ؟
وهل يمكن أن تكون استعادة بيت المقدس على يد صلاح الدين عام 583هـ بعد 91عامًا من الاحتلال نتيجة جهد فردي لقائد، أم أنه لا بد أن يكون ثمرة جهود ضخمة لأجيال متعددة وعلى مستويات مختلفة؟ هذا ما سنعرفه عبر بعض المحطات المهمة من تاريخ إعادة بيت المقدس على يد صلاح الدين.